الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

الجامعات العربية وسيطرت وزارات الداخلية


                                   


 بسم الله الرحمن الرحيم
                         
تقدم الجامعات العالمية بسبب استقلاليتها
تتميز الجامعات العالمية باستقلاليتها عن أي سيطرة أو نفوذ حتى ولو كان نفوذ الوزارة التي يتبع لها التعليم الجامعي وإن كانت معظم الجامعات الدولية العالمية هي بذاتها جامعات مستقلة استقلال تام عن أي وزارة وعن أي نفوذ للسلطة التنفيذية  وهي في ذات الوقت تعمل جادة على محاولة إيجاد جميع الأسباب والوسائل والطرق الحديثة التي تساعد على تنمية روح الانتماء فيها لمجتمعها وبين المنتسبين إليها من جميع من فيها من أعضاء هيئة التدريس والموظفين والطلاب بل والمتدربين وهم الذين تضمهم الجامعة فترة يسيرة للتدريب على مهارة أو تعليم فن أو تحسين أداء. بل ويشعر بانتمائها والانتماء لها بقية أفراد المجتمع التي توجد فيه حينما تخلق روح تساعدها على القيام بما يأمل مجتمعها والمقيمين في بيئتها عليها.
وبذلك توجد الانتماء الحقيقي لها ومعها وهو ما يراد منه أن يشعر المنتسب إليها والمتعامل معها أنه جزء من كيانها الكبير مما ينتج عنه اتحاد تام معها في الخطط والأهداف والوسائل المساعدة في الوصول إليه ،ولذلك نجد في أمثال هذه الجامعات اتحادات طلابية ومنظمات تعليمية, ورابطات خريجين وغير ذلك مما يساعد على زيادة الشعور بالانتماء وبسبب ذلك يظل كل من سبق له أن انتسب لهذه الجامعة مرتبط في الجامعة بشعوره بالانتماء لهذه الجامعة طيلة فترة بقائه فيها وبعد تخرجه منها مهما تباعدت السنوات فإذا ما سمع اسم الجامعة هنا أو هناك تشنفت أذناه ,وكأنه سمع اسمه الشخصي وإذا أثني على جامعته فكأنما الثناء موجه إليه شخصياً إنه الانتماء الحقيقي لا المصطنع .ولذلك نشأت هذه الجامعات ونشأت معها قامات علمية واقتصادية وسياسية واجتماعية سامقة كبرت وهي لا تزال تعترف بالفضل لأهل الفضل فضلهم ومن أولئك الجامعة التي انتسبوا إليها ودرسوا بها أو تدربوا فيها أو عملوا لديها.

استقلالية الجامعة
ومما لاشك فيه أن الوصول إلى هذه المرحلة  لا يمكن أن تصل إليه الجامعة إلا بعد حصولها على الاستقلالية التامة  وتنمية روح الانتماء وهو ما يحتاج  جهداَ كبيراً من إدارة الجامعة والمجالس المتعاقبة عليها وبسبب التزامها بسياستها التي أنتجتها هي بمحض إرادتها وبصنعها المستقل لسياسة الجامعة بشكل عام فيما يتعلق بإدارتها وأنشطتها وأنظمتها .. وفيما يتعلق أيضاً بأعضاء هيئة التدريس والموظفين والطلاب ،فترسم سياستها بنفسها وليس بالفرض عليها
فهي تعمل بروح الفريق الواحد في المنظومة الواحدة - المستقل عن الاملاءات التي تبتلى بها الجامعات العربية - من أجل استشعار الجميع أنهم يعملون لبعضهم البعض والقاعدة التي تبنى عليها كيفية استشعار الإنسان أن هذا العمل لهذا الكيان أو فيه أو معه بناء على استشعاره بانتمائه إليه وصنع سياسته من قبل بدون فرض عليه  هو عمل في حد ذاته له شخصياً كما أنه لجميع أفراد المجتمع الذي يعيش فيه. هذا العمل بصنع السياسة للجامعة فضلا عن كونه صناعة لحرية الرأي وتعويدا على المشاركة في القرارات المصيرية وتعويدا على تحملها فإنه فن ثقافي يتقزم كثيراً بل يغيب كليا في المجتمعات العربية ويتوارى في مثل هذا المجتمعات المتصحرة .

ثقافة الجامعات العربية من ثقافة مجتمعاتها
لأن ثقافة هذه المجتمعات دجنة فربيت على التبعية وفكرة شيخ القبيلة وصاحب البيت وسيد الحي على الأثرة في المصالح والأهداف لا على الإيثار , ربيت على منهج السمسمة والدعاء بطول العمر والتعبد بحفظ الحاكم ربيت على التلقي من المالك لا على التصدير ,على التسليم للحاكم والرئيس لا على المناقشة  على رأي السلطان ولو كان جاهلا أو المدير ولو كان مستبدا  لا على رأي الجميع أو الأغلبية ولذلك توارت في مجتمعهم الكبير مظاهر المجتمع المدني حتى كادت تختفي فضلا عن مجتمع الجامعة الصغير  فلم يعد العمل المفترض فيه أن يكون عملا مجتمعيا إلا عملا فرديا  فأضحى العمل المؤسساتي  ليس من مظاهر الفكر المجتمعي,  وعلى أثر ذلك مفهوم النفع العام فأثر بشكل مباشر على ثقافة المجتمع النفعية فتلاشت الأعمال المؤسساتية المبنية على روح التعاون.وخيمت الأعمال الفردية المبنية على روح التسول وطلب المكرمات
هذه الثقافة الفردية التي أثرت في الحياة العربية المليئة بروح الاستبداد نظرا لتأثرها بحكم أنظمة الدول العربية جلها أو كلها مبنية عليه  أثرت على المجتمع وأثرت فيه  أفرادا وجماعات ومن أهم الجهات التي تأثرت فيه  الجامعات وخاصة تلك الجامعات التي نشأت في مناطق أقل تحضرا وأدنى تطورا من غيرها في بلداننا العربية , لم تستطع الجامعات مع ما ملكته من مبان وأجهزة وغيرها أن تنعتق من ثقافة مجتمعها ولا تأثيره فيها , وبدلاً من أن تكون هي مؤثرة فيه بقيامها بتثقيف المجتمع الذي توجد فيه وتؤثر في بيئته العلمية والفكرية ورفع درجة وعيه قام المجتمع بحركة عكسية ذات قوة مسيطرة بضخ ثقافته المشوه علميا فأصبح الناظر يشاهد مناظر لا تمت للثقافة الجامعية بصلة بل تتعارض معه وتتصادم بشكل كبير قلبت المفاهيم الأكاديمية على عقبها وأوجدت مفاهيم بعيدة عن الصبغة العلمية أن لم تكن مناقضة لها وهذا ما جعل ثقافة المجتمع مهما كانت متخلفة تلقي بظلالها وآثرها وتأثيرها على الجامعة بنظامها وعلومها وإدارتها وأعضاء هيئة التدريس فيها , بل و بأعرافها الأكاديمية فأصبح المطلع ينظر إلى أستاذ الجامعة يقبل كتف الجاهل أو يده أو يثني عليه ويمدحه بما ليس أهلا له لا لشي إلا لأنه من العائلة الحاكمة في بلده أو من أصحاب الأموال أو من المتنفذين أو ممن لهم  حظوة عند السلاطين وأعوانهم وتجد الجامعة قد لا تستطيع تحديد موعد لقاء علميا أو مؤتمرا تخصصيا  إلا بعد أخذ أذن وموافقة جهة أمنية تحت إدارة عسكري غير متعلم أخذ منصبه بشعر نبطي لا بدراسة علمية أكاديمية أو عسكرية وقد تضطر الجامعة  لإخلاف مواعيدها أو إلغائها أو تأجيل أعمالها بسب ارتباط وزير أو أمير بموعد طرا عليه بعد أن نسقت معه الجامعة بشهور طويلة ولذلك أصبح بعض الأكاديميين لا يثق بمواعيد الجامعات العربية حتى في المؤتمرات الدولية لأنها قد تلغي كل مواعيدها بسبب أن الأمير الذي سيفتتح هذا المؤتمر قد أنشغل عن موعده بأعمال اقل أهمية من المؤتمر إن لم يكن قد انشغل بسفرة نزهة برية أو فسحة خارجية.

أين الاستقلالية ووزارة الداخلية تتحكم في المؤتمرات العلمية
 وقد توضع جميع الاستعدادات العلمية لإقامة محفل علمي أو مؤتمر تخصصي لكن وزارة الداخلية في ذلك البلد تعترض على بعض المشاركين فيه بسبب هاجسها الأمني -المبني على الحرص على كرسي الوزير على مصلحة الوطن - بل قد تلغى رسالة علمية كالماجستير أو الدكتوراه- بذل صاحبها وقته وجهده وماله فيها فيستبعدها جندي في المباحث أو لجنة أمنية مشكلة داخل الجامعة لإيقاف وتعويق كل رسالة يرد فيها ما يعتقد انه لا يوافق وزير الداخلية أو مدير الاستخبارات أو المباحث ولو كان ذلك غير مبني على أسس علمية ولا أمنية حقيقية . بل يتجاوز الأمر أكثر من ذلك بإيقاف مناقشة طالب في رسالته بسبب أن وزارة الداخلية قد غضبت على مشرفه لعدم تمشيه مع توجهاتها الهوجاء المبنية على مصادرة الحريات الشخصية  بل وبلغت تدخلات وزارات الداخلية في هذا الشأن مبلغا عظيما أن دل على شي فهو يدل على أن بعض الجامعات العربية في دول الاستبداد أصبحت أقرب ما تكون بالثكنات العسكرية لوزارات الداخلية تعين فيها من تشاء وتعزل من تشاء دون حسيب ولا رقيب وكأن الجامعة إحدى الدوائر التابعة لوزارة الداخلية ولا شك أن هذه التصرفات وتلك الثقافة داء جل خطير ومرض عضال يجب على الغيورين من مثقفي المجتمع وقادته أن يبادروا لطرح الحلول الجادة والعملية في محاولة منهم للمساهمة في تقديم ما يعتقد أن فيه إنقاذ سريع ونافع لثقافة الجامعة الأكاديمية الأصيلة منه ومن براثن ثقافة التخلف والبدائية وآثارها ومن سيطرت وزارات الداخلية وأن تكون الجامعة مستقلة استقلالا تاما في هذا مما نراه ونسمعه من تدخل وزارات الداخلية والمباحث العامة في بعض الجامعات في الدول العربية في صياغة سياستها وتعيين جميع موظفيها بدأ بمديرها ومرورا بعمداء الكليات ووكلائها وأعضاء هيئة التدريس والمعيدين فيها وإلا فسيكون حال الجامعة في المنطقة العربية وتأثيرها في مجتمعها أقل من حال وتأثير أي مدرسة من مدارس التعليم العام كالثانوية والمتوسطة أو الابتدائية ونحوها.

من مظاهر التخلف في الجامعات
نعم إن من أهم مظاهر انسحاب الجامعة وتقهقرها إلى تيار التخلف في المجتمعات العربية  الذي توجد فيه بالإضافة إلى السيطرة التامة من وزارة الداخلية عليها وعلى رسم سياستها هو الاهتمام بالمظاهر الخارجية  دون المخابر ، الحرص على تشيد المباني وإهمال تشييد العقول التي تنتج الأفكار. كما أن من مظاهر التخلف العلمي هو قيام الجامعة مهما كبر حجمها سواء بالنسبة لمساحتها المكانية أو لعدد الكليات فيها أو لعدد الطلاب المنتسبين إليها على أفكار فردية من رجل واحد أو بضعة أفراد  أو فكر النخب المعينة فرضا من قبل من ليس لهم ادني صلة بالحياة الأكاديمية لا الكوادر المنتخبة , المتمصلحة لا باذلة المصالح  والمناطقية لا العامة أو الوطنية المقيتة والعنصرية النتنة  المرفوضة ، ومن مظاهره التمييز غير المشروع بين الكوادر والكفاءات ذات المستوى الواعد  ،
 الحظوة للمقربين من الحكام والأمراء و المتنفذين ولو قلة أو انعدمت قدراتهم وكفاءتهم,  والإبعاد الممنهج  لغير أقارب المسئولين فيها ولو توفرت في هؤلاء المبعدين جميع عناصر الكفاءة وتوفرت فيهم أسباب النجاح. التمييز المبني على القرابة دون الاعتماد على الجدارة والثقافة . والتخلف التقني ,
كما أن من مظاهر التخلف في جامعتنا العربية المحاولة الجادة لإسكات الأصوات الوطنية الإصلاحية المطالبة بعملية التطوير الشاملة في جميع مناحي الحياة ومن ذلك تطوير أحوال وأنظمة الجامعة.
ومن مظاهر التخلف أيضا القبول المبني على الواسطة, والتفريق بين المتماثلين سواء كانوا من أعضاء هيئة التدريس والموظفين والطلاب.
وغير ذلك من مظاهر تخلف الجامعة والتي لا يمكن أن تتطور وتصل إلى رتبة الجامعات العالمية المتقدمة إذا ظلت على ما هي عليه لا تستطيع بل ولا تملك المحاولة للاستقلال عن سيطرة وزارات الداخلية والتي يغلب عليها في وطننا العربية الحس الأمني على الكراسي لا على الأوطان  في جميع تصرفاتها وهي مؤشر واضح على تمادي الانغماس في وحل الفوضى والتخلف.
إن مثل هذه الجامعات لا يمكن أن تتقدم أو تساهم في تقدم المجتمعات طالما أنها عاجزة وبشكل تام عن  الاستقلال برأيها فضلا عن أن تساهم في حرية المجتمع الذي توجد فيه لأن الجامعات أصبحت بناء على ذلك جسدا بدون روح , وستضل منفذة لأجندة المتنفذين فيها دون أن تستطيع أن تتقدم أي  خطوة نحو التطور والمنافسة لجامعات عالمية  قد تكون أقل منها في الإمكانيات وأحدث منها في الإنشاء لكنها أكثر استقلالية في قراراتها وأعمق منها في الثقافة وأكثر تأثيرا في مجتمعها وأنضج منها فكراً. وهذه المطالبة في وجوب سعي الجامعات العربية لاستقلالها عن سيطرة الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية هو خطوة حتمية لازمة لتقدم الجامعات ولقيامها بما يريد المجتمع منها وما يفترض فيها أصلا  القيام به من أجل أدائها لرسالتها العلمية ودورها في المجتمع الذي توجد فيه   .

ولقد كتبت هذه المقالة وأنا أعلم أن هناك من المتنفذين الذين يريدون أن تبقى الجامعات تحت عباءتهم حتى تصبح وكأنها أحد أملاكهم الخاصة بهم  قد يغضب - ولا كرامة لغضبه – مما قلت ولكن هذا ما أود من جميع المنتسبين للجامعات العمل عليه وأوصي  جميع القائمين على  الجامعات التي ينطبق عليها هذا الكلام أن يسعوا بجميع قدراتهم على المساهمة في إزالة هذا الإرث الثقيل عن كاهل التقدم العلمي والتقني الذي عادة ما تسهم به الجامعات المستقلة في المجتمعات التي عرفت طريق الحرية واستنشقت هواء الاعتداد بالكرامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق