بسم الله الرحمن الرحيم
(مجزرة
غزة نموذجاً )
مجزرة
في غزة طالت النساء والأطفال والشيوخ وتهديم أصاب المساجد ودور العبادة
والمستشفيات وتفجير أزال الجامعات ومباني المجتمع المدني برمتها وسحق كامل للأرواح
لم يفرق بين طبيب ومسعف ومريض قابل كل هذا صمت دولي مطبق واستجداء من العرب
للمؤسسات الدولية دون جدوى تذكر وتفرج في الأنظمة العربية على هذه المناظر ,وغضب في الشارع العربي مكتوم
في كثير من الأحيان وغليان في الشعوب الإسلامية غير منتج ولاممنهج ومع ذلك لم تستطع جميع هذه الشعوب أن تكون فاعلة
في قرار حكوماتها أو مؤثرة في اجتماعاتها الهزيلة .كل هذه الشعوب بغضبها الشديد غير قادرة على فعل
شيء سوى التفرج والتلاوم ,وأحياناً الدعاء الذي لم يبرح الأفواه ؛ لأنه دعاء خلا
من العمل .
لا
يستجيب الله لمن دعا وما سعى
لا
يصح شرعا الدعاء بدون عمل لأنه مما لاشك فيه أن الدعاء بدون العمل لا ثمرة منه ,حيث
لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه فلم يعلم أن النبي صلى الله
عليه وسلم بقي بمكة ولم يهاجر وضل يدعو على الكفار بأن يقتلهم بددا وأن لايبقي
منهم أحدا, كما لم يعرف عنه صلوات الله عليه وسلم أنه حينما هاجر إلى المدينة لزم
المسجد داعياً على المشركين وطلب من صحابته ذلك , ولم يروى أن أبا بكر رضي الله
عنه جابه المرتدين بالدعاء والقنوت فلماذا نحاول أن نقنع أنفسنا بأن الدعاء هوى
سبب النصر والتمكين ونحن معاشر المسلمين نعلم أن اليهود انتصروا علينا في جميع
الحروب السابقة واحتلوا بلاد المسلمين وهم لم يلجؤا للدعاء الخالي من العمل , بينما
هزمنا ونحن نلهج بالدعاء في كل وقت بأن ينصرنا عليهم ولكننا لم نعمل من الأسباب
الدنيوية مايكون سبباً في نصرنا بعد إرادة الله عز وجل ومن أهم هذه الأسباب التزام
قول الله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوا الله
وعدوكم ).وتعلم أصول اللعبة السياسية والتي تقدم الغرب عن طريقها مع كفرهم وبعدهم
عن الله من أهم الأسباب التي تساعد على نصرة العرب والمسلمين وتعتبر من إعداد
القوة لمجابة أعداء الأمة, وإن مما يتعجب
منه الإنسان العاقل أننا نحاول استخدام بعض الأسلحة الحديثة التي صنعها الغرب
ونترك بعض الأسباب الأخرى أو نتجاهلها, وكما انتصر الغرب في الأسلحة المادية فقد
انتصر في الأسلحة المعنوية.ومن أهم هذه الأسلحة المعنوية المعرفة التامة بطرق
التقدم السياسي لهذه الشعوب ولذلك فإن الجهل بالمهام السياسية المطلوبة من الشعوب
العربية هي من أهم أسباب هذا الوضع المتردي في العالم العربي أجمع وذلك لأن كثير
من الشعوب العربية تجهل أحد المهام الواجب عليهم القيام بها في سبيل ترفية حياتهم .وصمود
أهدافهم.
الإسلام
واقع لا دعوى
نعم
لقد تقدم الغرب لأنهم عملوا بأحكام الإسلام وتعاليمه دون أن يعترفوا بأنها هي
تعاليم الإسلام ومن ذلك تنظيم حياتهم عن طريق إيجاد الدساتير التي تحكم حياتهم وتنظم
علاقة الشعوب بالحكام والرؤساء بالمرؤوسين وتحدد صلاحيات الحاكم وبالتالي عملوا
بالشورى وسموها ديمقراطية فأنتجت هذه الأمور لهم عدلاً عم أرجاء بلادهم فأصبحت
قراراتهم صادرة عن عرفائهم وأهل الحل والعقد منهم بخلاف الشعوب العربية التي يتحكم
بمصيرها أفراد محدودون يتصرفون في جميع أمور شعوبهم سواء كانوا يفقهون بها شيئاً أو
كانوا لا يفقهون .فتصرفوا في الدين والدنيا .
ولذلك
وجدت في بعض بلاد المسلمين فئام من الناصحين المخلصين –إن شاء الله –طالبوا بعدة أمور
تساعد على نقل المسلمين من هذا الذل والهوان الذي يعيشون فيه إلى حياة العزة
والكرامة التي أرادها الله عز وجل للمسلمين وتبنوا في سبيل ذلك المطالبة بالدستور الإسلامي
والعدل والشورى لتطبق في حياة المسلمين وفي جميع أمورهم .
وسنحاول في هذه الأسطر القليلة أن نبين أهمية
هذه المطالب الثلاثة وأثرها في الحياة المعاصرة.
أولاً : الدستور
الإسلامي.
الدستور هو عقد اجتماعي ينظم حياة الجماعة والأفراد ويرتبها ليبعدها عن نظرية العشيرة والقبيلة
وفكرة الخيمة وراعي الإبل , واستجداء الحقوق لكل من الحاكم والمحكوم والمسئول وعموم
الشعب وهذا في النظرية الغربية فكيف إذا كان الدستور منطلق من نظرية إسلامية بحته
يستلهم تعاليم الإسلام و نظمه في انتظام هذا العقد الاجتماعي الذي ينقلب إلى عقد
لازم ولعل من أول من نقل إلينا أنه فعل ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم في وثيقة
المدينة والتي كانت عبارة عن دستور مصغر لأنظمة حياة وعلاقات أهل المدينة المنورة
في وقتها . وإن فهم المسلم لأهمية وجود الدستور الإسلامي سبب رئيس ومهم لمطالبته
به ومن أجل أن يدرك أن الحياة العبثية غير المنظمة والسلطة المطلقة غير المقيدة
أحد أهم أسباب تردي حياة الشعوب العربية فبدون دستور -يعرف فيه الشعب ماله وما
عليه ويعرف فيه الحاكم ماله وما عليه فيطالب كل واحد منهما الآخر بماله ويمنح الآخرين
ماعليه - لا يمكن أن تستقيم حياة ولا يستمر نظام, ولذلك فإن تحصل الحكام على سلطة
مطلقة(كما هو حاصل الآن في الدول العربية) يتحكموا فيها برقاب الشعوب فيتسلطوا عليها دون
أن توجد أنظمة ودساتير يحتكمون إليها فتردعهم سبب تسلط الحكام عليهم وتسلط الأعداء
على الحكام , ومما لا شك فيه أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة! فإذا تركنا
للحاكم أن يعين ويعزل, ويسجن ويطلق ,ويكرم ويهين دون محاسبة من شعبه له فإن
من حقه أيضاً -في نظره وفي نظر من أعطاه هذه السلطة وسمح له بممارستها- أن يناصر
وأن يخذل وأن يعطي ويمنع من لا يتوافق مع هواه أو من يخشاه أيضا لأي أمر ديني.
ولذلك
فإن من أهم ما ينبغي للشعوب العربية أن تطالب به هو وضع وصياغة دستور عادل يحكم
الحاكم والشعب وتسحب السلطة المطلقة من الحاكم الذي جعله البعض-بجهل أوبعلم-
وكيلاً عن الله عزوجل على خلقه ففعله وتركه, وأمره ونهيه, وإكرامه وأهانته هي من الله
وعن الله وكأنه يوحى إليه ومن خالفه فقد خالف الله عز وجل ، وينسى هؤلاء الذي رفعوا مستوى الحاكم إلى
كونه وكيلاً عن الله أن الله عز وجل جعل ميزان دقيقاً حينما يتخالف الحكام مع المحكومين وهو (( مرده إلى الله )) كما قال تعالى (فإن
تنازعتم في شي فردوه إلى الله).
فإذا
وجد الدستور الإسلامي لم يكن أمام الحاكم، إلا تطبيق الدستور أو التنحي عن الحكم,
ولا يصح بأي حال من الأحوال ما يقوله بعض المتفقهين المغرر بهم عن جهة أو تجهيل إن دستور الدولة الإسلامية هو القران أو الإسلام
أو غيره لأنه من المعلوم ضرورة أنه لا بد من أن يكون هذا الدستور الإسلامي مشتق من
نصوص القرآن والسنة ومن تعاليم الإسلام, لكنه لابد أيضاً من تحديد دقيق لمواد
وأنظمة الدستور حتى لايكون عائماً وكل يدعي أن فعله وفق القران والسنة خاصة وإن
كثير من آيات القران ونصوص السنة جاءت عامة غير مخصصة,
وكما
حدد الفقهاء أحكام العبادات والمعاملات والقصاص وغيرها للحكم بها عند الحاجة إلى
ذلك مع أنها واردة في القرآن والسنة فإنه ينبغي أيضاً تحديد أحكام العلاقة بين
الحاكم والشعب ومسؤولية كل منهم وصلاحياته وكتابتها حتى يمكن التحاكم إليها عند
الحاجة إليها .
وإن معرفة الإنسان لحقوقه وواجباته لتساعده في أداء
واجباته والتزامه بها والمطالبة بحقوقه وتحصيلها ووجود نصوص صريحة في ذلك تكون
سبباً في إغلاق الاجتهادات الفردية وتشعر الجميع أنهم أمام نظام محكم لايتغير
بتغير المسؤلين ولايتبدل بتبدل الحكام وبالتالي توجد الدولة العصرية التي تحتكم إلى
نظام المؤسسات لا إلى رغبات وشهوات الأفراد المتنفذين .
ولذلك
فإننا نجد في هذا العصر الحديث أن الدول التي تحتكم إلى دستور حتى ولو كان صورياً قادرة
على التعبير عن رأيها ومطالبة الحاكم بالالتزام بالدستور الذي يحكم البلاد والعباد , وبالتالي
فإنه بدلاً من أن تضيع الشعوب وقتها في المطالبة ببعض الحقوق المشروعة لها كمطالبتها
بالسماح لها بالدعاء والقنوت أو تطالب بإقفال سفارات بعض الدول أو سحب السفراء منها
أو بقطع المعونات عن بعض الدول أو مساعدة بعض الشعوب ونحو ذلك فانه ينبغي على هذه
الشعوب أن تطالب بإيجاد الدستور الذي تستطيع الشعوب عن طريقه أن تقول رأيها في كل
ماتريد من السماح بوجود الدعاء من عدمه وإقفال السفارات أو عدم إقفالها أو سحب
السفراء أو عدم سحبهم , والقيام بالمظاهرات أو عدم القيام بها أو إرسال المعونات أو
قطعها ,وبالتالي تستطيع الشعوب أن تعمل ما نص الدستور على أن من حقها العمل به
أو رفضه .
ويكون
هذا الرأي قد صدر بناء على رغبة الشعوب
المكتسبة لقوتها عن طريق الدستور المكتسب
للقطعية بناء على تصويتهم أيضا. وهو مبني
على حقهم في التعبير عن آرائهم والذي كفله لهم الدستور ومن هنا يدرك من كان له عقل
أو بصيرة كيف أن أول خطوة ينبغي أن تطالب بها الشعوب العربية في ظل هذه الأزمة
التي تمر بها الأمة وخلال هذه المجزرة التي تتعرض لها بعض بلاد المسلمين هي المطالبة
بإيجاد الدساتير وتفعيلها لأنها هي التي تنظم لهم حياتهم وتحدد لهم حقوقهم وتبين
لحكامهم حدود سلطتهم المقيدة, لا السلطة
المطلقة المنبثقة عن أهواء الحكام غير المضبوطة أو المقيدة .
نقول
ذلك لعموم الشعوب التي تنشد الحرية ونقول ذلك أيضاً لإخواننا طلبة العلم الفضلاء
الذين تحمسوا مع مصاب الأمة الجلل فصرحوا وأفتوا واستنكروا وتجشموا مخاطر اعتقال
السلطة لهم فأقول -بارك الله في جهودكم -ولو أكملتم المسيرة بمطالبتكم بإيجاد
دستور إسلامي منبثق من القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية مضبوط بالضوابط الشرعية,
لكي يلتزم به الحاكم وتلتزم به الأمة ولم يترك الأمر هكذا مطلقاً للسلاطين تعبث
بمقدرات الأمة وخيراتها, لكان في هذا خير كثير ونفع عظيم متعدي نفعه لعموم الأمة , وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حينما
قدم المدينة وضع دستوراً في ذلك الوقت لكيفية نشوء الدولة الإسلامية وطريقة
تعاملها مع شعوبها من مسلمين ويهود بين فيه صلوات الله عليه وسلامه سلطة الحاكم في
ذلك الوقت وغير ذلك مما تحتاجه الدولة الإسلامية عند نشوئها في المدينة النبوية , مع
أنه من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم يتلقى الوحي من ربه ولا يحكم الأمة
الإسلامية بهواه ورغبته وإنما وفق وحي الله , إذا كان ذلك في حق النبي صلى الله
عليه وسلم المؤيد بالوحي من ربه فإن حاجة الحكام والشعوب في الدول الإسلامية في
هذا الوقت لمثل هذا الدستور المكتوب والدقيق من باب أولى .
ثانياً:
وجوب العدل
أما
ما يتعلق بالعدل الذي يجب على الشعوب أن تطالب به فهو مطلب شرعي أمر الله عز وجل به في عدة آيات
في القران الكريم منها قول الله تعالى :((
إن الله يأمر بالعدل والإحسان ....)) الآيـة .وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم
وجميع التشريعات الأرضية الوضعية مع بطلانها طالبت به وأمره فيه فما
نطالب به قد أمر الله عزوجل به فلا ينبغي لأحد أن يلومنا على مطالبتنا به وإن جهل
البعض في وجوب العدل وأنه شرط أساس من شروط الواجب توفرها في البيعة بين الحاكم
والأمة فإن هذا الجهل لا يقلل من أهمية العدل ووجوبه وكون الأمة قد غفلت في عصور
مضت عن أهميته والمطالبة به فإنه لا يسقطه ولا يقلل من أهميته ولعل من أهم الأسباب
في تخلف الأمة وهوانها على الناس أنها تخلفت في المطالبة بما أوجبه الله تعالى لها
وهانت على نفسها في المطالبة بحقها فهانت في أعين الناس ، وأن المفارقات العجيبة
أن يوجد العدل في أمم الغرب والشرق دون وجود نص مقدس لديهم يحثهم عليه ويحفظه لهم
ولا يوجد في أمة الإسلام مع وجود النصوص الشرعية المقدسة الآمرة به والحاثة عليه .
إن
العدل الذي استهانت به الشعوب العربية فهانت عند حكامها وهانت عند بقية أمم الأرض
قد أوجبه الله في صغائر الأمور الاجتماعية كما أوجبه في كبائرها وكما أوجبه على
الحاكم والشعب أوجبه أيضاً بين الزوجات والأولاد .
وأي
عقول تفكر بعدم شرطيته في العقد المبرم بين الأمة وحكامها فإنها تتهم الإسلام
بصريح قولها أو مضمونه بحرصه على صغائر الأمور وإهماله لكبارها , وإلا فكيف يمكن
أن يفسر قول الإسلام إن عقد الزواج بأكثر من زوجة لا يصح بدون القدرة على العدل
بين الزوجات ويقول بأن العقد الأعظم والميثاق الأهم بين الأمة والحاكم يصح بدون
قيام شرطه وهو العدل ، وأي حكم وعقد يصح بين حاكم ظالم وأمة مظلومة .
ولعل
فقه الخوف من غير الله الذي عظم في عقول وأذهان بعض المنتسبين للعلم في الإسلام هو
الذي جعلهم يغفلون هذا الشرط ولا يهتمون به وذلك لأنهم جعلوا الخوف من غير الله
أعظم في قلوبهم من الخوف من الله فأشركوا في الله من حيث يعلمون أو لا يعلمون.
إن
المطلع على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية يدرك بالفطرة وجوب العدل بين الحاكم
والمحكوم وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد طلب منه العدل صراحة ولم يغضب وهو
يتلقى الوحي من ربه فإنه يجب على الأمة أن تأطر حكامها على وجوب العدل, وهي بفعلها
ذلك تقيم شعيرة من شعائر الإسلام الخالدة وتطالب بحق من حقوقها الشرعية وتعمل
بالنصوص الشرعية الكثيرة الدالة على وجوب العدل في الرعية وإذا وجب العدل في القول ((وإذا قلتم فاعدلوا )) فوجوبه في الفعل ومن أهم الأفعال وهو الحكم بين الشعوب من باب أولى .
وإذا
وجب العدل مع الخصوم والأعداء في قول الله تعالى: (( ولا يجرمنكم شنأن قوم على أن
لا تعدلوا )) فوجوبه
على الحاكم مع من اختاروه وأمروه عليهم من باب أولى .
إنني
أهيب بأمتي أن تنفض غبار الجهل وظلام الذل واستمراء الظلم, وأن تطالب بالعدل الذي
أوجبه لها الله عز وجل, وإن من العيب الذي لن يغفر لكل من يقول به أن يقال بوجوب
العدل في صغار الأمور وعدم وجوبه في كبارها وهو عقد البيعة بين الحاكم والمحكوم .
ولن يغفر لمن أهمل نصوص القرآن والسنة وعمل بأقوال الرجال لتعبيد الأمة لغير الله
عز وجل , وذلك لأنه جعل هؤلاء مشرعين مع الله فأشرك بالله والله عز وجل يقول (إن
الله لايغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء )تعالى الله عما يقول الظالمون
علواً كبيراً .
ثالثاً:
الشورى
أما الشورى فقد أوجبها الله على نبيه
صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (وشاورهم في الأمر) ومن المعلوم عند الأصوليين
أن الأمر يفيد الوجوب إلا بصارف يصرفه من الوجوب إلى الندب ولا صارف هنا كما أوجب
الله الشورى على المؤمنين وامتدحهم بها فقال تعالى (وأمرهم شورى بينهم ) ووجوبه
على النبي صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد
بالوحي من السماء دليل على وجوبها على غيره من باب أولى ولذلك قلنا أن الشورى شرط
من شروط البيعة بين الحاكم والشعب الذي بايعه , حيث إنه من المعلوم شرعاً أن
البيعة هي بيعة على شرع الله وفق أمر الله عز وجل وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم
وأنه عز وجل أمر بالشورى والأمر للوجوب وهذا ما قرره أهل العلم في كتبهم .
وإن الإنسان ليعجب من بعض من يزعمون
الفقه في دين الله , وهو يرى وجوب مشاورة المرأة في من يراد عقد نكاحها بها ثم
يستدل على ذلك بأحاديث من صحيح السنة , ويقول: إن عقد الزوجية لا يصح بدون مشاورة
الزوجة ثم يقول أو يفتي بعدم وجوب الشورى على الحاكم في عقد الإمامة العظمى . وعدم
وجوب المشاورة في الأمور الكبرى للأمة , ونقول لمن يرى وجوب فسخ عقد النكاح إذا لم تستشر الزوجة في زوجها إن انفساخ
عقد البيعة بين الحاكم الأمة إذا لم يشاور المحكوم فيه من باب أولى, وإذا قلنا إن المشاورة شرط من شروط
النكاح فإن القول بأنه شرط من شروط البيعة بين الحاكم والأمة من باب أولى .
كما أننا إذا قلنا بعدم صحة بيع الفضولي
بدون إجازة واستشارة صاحب الحق فإننا نقول بعدم جواز تصرف الحاكم بأمور الأمة
المهمة بدون إذنها وإجازتها من باب أولى ؛ وذلك لأن قصارى الضرر في البيع بدون إذن
صاحب الحق هو فوات حق فرد من الأمة , بينما ضرر تصرف الحاكم بدون مشورة الأمة
وعرفائها وأهل الحل والعقد فيها ونوابها المنتخبين منها لا النواب المعينين من
قبله عليها , يجر الويلات والمصائب العظيمة عليها – وما نشوء دولة اليهود في بلاد
المسلمين وهوان المسلمين على بقية الأمم إلا إحدى إفرازات تهميش رأي الأمة في
قضاياها المصيرية .
فنقول هذا لمن يقول بأن الشورى ليست
واجبة على الحاكم ويقول بوجوبها فيما هو أقل
من ذلك وأهون ضررا مع المرأة في زوجها , فأيهم أشد خطراً أيها المتفقهون أن تصدر
الأمة عن رأي رجل واحد ربما يقودها إلى حتفها ولا يمكن التخلص منه إلا بشق الأنفس
أو أن تتزوج المرأة برجل لا ترغب فيه ؟
ولماذا المشاورة واجبة في عقد البيع
وعقد الزواج وبقية العقود المالية وشرط فيها وليست شرطاً في عقد البيعة والإمامة .
إنني ومن هذا المنطلق أقول إن من يشكك
في شرطية الشورى للبيعة الشرعية بين الحاكم والمحكوم فهو يشكك في أمر من أمور الإسلام الثابتة ،
وبالتالي فإنه كمثل من يشكك في وجوب الصلاة والزكاة والحج ومن قال بخلاف ذلك
فليأتنا ببرهانه من الكتاب والسنة وليترك عنه أقوال الرجال لأن من ترك الكتاب
والسنة واتبع أقوال الرجال فقد أشرك بالله عز وجل .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أراد
فسخ عقد المرأة التي تزوجت بغير إذنها ولا مشاورتها على اعتبار أن مشاورتها في
زوجها شرط من شروط عقد النكاح مع أن هذا الأمر مهما بلغ به الأمر فإنه لا يتجاوز
ضرره هذه المرأة وحدها ,فإن القول بأن الشورى شرط مهم من شروط البيعة بين
الحاكم والشعب من باب أولى وانفساخ عقد
بيعة الحاكم الذي لا يشاور الأمة ولا يلتزم بهذا الشرط المهم من شروط البيعة من
باب أولى خاصة وأن ضرر عدم مشاورته يعم الأمة جميعا.
إخواني المسلمين :هذه باختصار أهم الأسباب
في نظري التي تكمن خلف تخلف المسلمين وخاصة العرب منهم فإذا أرادوا أن ينفضوا عن
أنفسهم ما علق بهم من أدران الذل والهوان وأن يفتحوا مع أنفسهم صفحة جديدة يعرفوا
بها ماهية الأمور المهمة التي يجب عليهم أن يعملوا على وجودها والمطالبة بها.فليصروا
في السعي لحصولها وليعلموا أنها حقوق شرعية وليست منحة سلطانية.
وفي الختام أقدم تعازيّ لجميع المسلمين
في هذا المصاب الجلل الذي أصاب أهلنا في غزة , واسأل الله أن يتقبل شهدائهم ويشفي
مصابهم ويقوي عزم جنودهم وأن يجعل الدائرة على أعدائهم المقاتلين لهم والحمد لله
رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين.
كشف التسربات بالرياض
ردحذفكشف تسربات بالرياض
فحص تسربات المياه بالرياض
شركة كشف تسربات بالرياض
شركة كشف تسربات المياه بالرياض
كشف تسربات المياه بمكة المكرمة
كشف تسربات المياه بجدة