السبت، 3 نوفمبر 2012

الأمة مصدر السلطة






المقصود بالأمة :
المقصود عندي بالأمة هنا هو المصطلح الشرعي لها وهي الشعب الذي يمارس حياته السياسية في الانتخاب واختيار كل من يمثله في تحقيق حقوقه ولا أقصد ما يذهب إليه بعض القانونيين من التفريق بينهما بالاعتبار القانوني وطريقة الانتخاب والتعامل بالطريقة البرلمانية ونحوها
الشعب يجب له وعليه أن يمارس سلطاته من خلال الأفراد القادرين على استخدام تلك الحقوق السياسية وإعطائهم تلك الحقوق بالانتخاب والاختيار والمشاركة السياسية الفاعلة والمؤثرة في قراراته المصيرية وهذه هي المرجعية الإسلامية لهذا المصطلح والتي توضح أنها تصلح لكل زمان ومكان، وهي هنا عبارة عن  اختيار عقدي، ثم اختيار بناء على التجربة والدراسة التي أثبتت أن الإسلام فيه السلام للجميع، سواء معتنقيه أو أصحاب الديانات الأخرى وأنه موافق على كل نظام يعمل على تنظيم حياة الناس إذا لم يشتمل هذا التنظيم على مايتعارض مع نصوصه أو مقاصده.
سيادة الأمة أو سيادة الشعب:
لا أعني بسيادة الأمة أن تكون الأمة مشرعة لما ورد النص عليه في القران وصحيح السنة فذلك أمر مقطوع فيه لا يجوز لأحد الاجتهاد به ,و إنما أعني أن تكون الأمة هي صاحبة قرار نفسها ولا يجعل ذلك لحاكم ظالم بحجة تغلبه أو خوف الفتنة أو جمع الأمة أو عالم دين محرف يخاف من السلطان أكثر من خوفه من الله عز وجل وليست هذه النظرية بغريبة على الإسلام كما يريد إن يروج لها أولئك الذين استمرؤوا الظلم وتشربوا الاستعباد واستوطنوا الاستبداد وتصالحوا مع الطغيان وبالتالي هم يريدون تعبيد الأمة للحكام  المستبدين المستعبدين الذين يسيرون في حكمهم بناء على نظرية الملكية الفردية المطلقة لكل ماهو موجود داخل حدود مملكته. ويرغبون باستمرار الاستبداد والظلم الواقع عليها وذلك بتواطؤ مقصود أو غير مقصود من أعداء الإسلام (وهؤلاء يزعمون أنهم بنفي سيادة الشعب وسيادة الأمة يهربون من جعل الحكم لغير الله لكنهم في ذات الوقت عملياً يجعلونه لعدة أشخاص من عباده) هذه النظرية من صلب أصول الحكم في الإسلام ولو نظرنا إلى الآيات الواردة في القران الكريم والأحاديث في السنة الصحيحة الصريحة  (دون المتشابهة) نجدها صريحة في تحميل الأمة أو الشعب  بعمومه هذه المسئولية الشرعية وينيطها بها, حيث نجد النصوص القرآنية و الأحاديث النبوية تكلف في  وجوب الالتزام بتطبيق الشريعة وتنفيذ التشريعات جميع الأمة وليس أفرادا منها ولعل أوضح مثال لذلك آيات الجهاد ورفع الظلم والحفاظ على المال والقصاص وإقامة حد الزنا والسرقة وغيرها لم تنطها بالحكام أو أعوانهم ولم تخاطبهم بذلك حيث لم تفوض بها شخصا أو شخصين أو عدة أشخاص وإنما جعلت ذلك مناطاً بالأمة جميعا  بل إن كثيرا من شعائر الإسلام  انيطت بعموم الأمة كصلاة العيد والاستسقاء والكسوف ونحوها ولذلك لا يجوز تركها لهوى الحاكم أو توقف فعلها على إذنه وموافقته.


الخطاب لعموم المسلمين لا للحاكمين:
جاء خطاب التشريع في القرآن الكريم مخاطباً لعموم المسلمين في مثل قول الله تعالى:(يا أيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا.) وقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ )وقول الله تعالى (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ )  وقوله عز وجل  (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) وقول الله تعالى(انْفِرُواْ  خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)
وقد حصل هذا  في حياة النبي  في وقت نزول الوحي ومع ذلك جاء الخطاب الشرعي مباشرة للمؤمنين فيما يجب عليهم أن يفعلوه باعتبارهم هم المسؤلين  عن أنفسهم  وهم الحكام الحقيقيين الذين يحكمون أنفسهم بأنفسهم بموجب ما افترض الله عليهم في القران والسنة واجتهادهم فيما لم يرد فيه قران وسنة صحيحة ولم يأتي الخطاب خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم مع أن الله تعالى قال عنه (وما ينطق عن الهوى).وأيضا مما يوضح ذلك خطاب الله تعالى لهم عما يجب عليهم فعله مع معارضيهم من المنافقين  (سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)
إن الخطاب الشرعي عند وروده في القران لم يأت مخاطباً حاكما فردا على الإطلاق حتى يقال إن الحاكم هو المسؤل عن تطبيق أحكام الإسلام وتشريعاته وإنما جاء يخاطب عموم المؤمنين بأوامره التشريعية فيما يتعلق بالعقيدة والاقتصاد والأخلاق والسياسة على اعتبار أنهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم ولذلك قال ابن تيمية: والأمة هي الحفيظة على الشريعة).

نظرية سيادة الأمة في العصر الحديث:
أما في العصر الحديث فقد نسبت  نظرية سيادة الأمة إلى «جان جاك روسو» في مؤلفه «العقد الاجتماعي»، حيث أشار إلى إن السيادة عبارة عن ممارسة للإرادة العامة وإنها ملك للأمة كلها، على اعتبار أنها وحدة مستقلة عن الأفراد المكونين لها كما أنها ليست ملكاً للحاكم. لذلك فان سيادة الأمة وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة ولا للتفرد مما يجعلها غير قابلة للتصرف بها أو التنازل عنها ولذلك تكون الأمة هي الوحيدة المالكة لها ,لكن الإسلام قد جاء بهذه النظرية من بداية ظهوره في  بداية نزول الوحي  على النبي صلى الله علية وسلم  فقد جعل السيادة للأمة على أن تلتزم بأن لا يتعارض حكمها وقوامتها مع حكم الإسلام 
بما أن الشعب مصدر السلطة التنفيذية تكون الأمة هي المالكة لأمر نفسها والمسؤلة عن ذلك أمام ربها
* لو تصورنا  جدلا أن الأمة قصرت في أمر واجب كنصرة المظلوم أو تركت شيئا من شعائر الإسلام فمن الذي يأثم ؟ هل هو الحاكم والسلطان أم الأمة بعمومها؟؟؟
* لو تصورنا أن الحاكم فسق فسقا ظاهر بتقتيل المسلمين واعتقالهم والاعتداء على أعراضهم وتخلت الأمة عن القيام بما أوجب الله عليها من واجب النهي عن المنكرات ومنع المظالم فهل تبرأ ذمة الأمة  ويكون السلطان هو المسؤل فقط أمام الله أم إن الأمة هي المسؤلة عن ذلك ؟؟؟

بناء على ذلك يجب أن تعرف جميع الشعوب وخاصة الشعوب العربية أنهم هم محاسبون على جميع المنكرات التي تحصل في المجتمع  وأن الحاكم والسلطان ما هو إلا نائب عن الأمة لا يمكن أن يتحمل وزر هذه المنكرات التي تعج بالمجتمعات لوحده وأنهم هم مصدر وقوة السلطة التنفيذية  فإذا ساد هذا الشعور وتركز في نفوس و وجدان الأمة من شعوب وحكام  تغيرت حياتهم تغيرا جذرياً ولم يعد بمقدور الحاكم الاستبداد بالسلطة والاستئثار بالمال العام ولا عقد التحالفات من لدن نفسه وحاشيته وبطانته لأنه يعلم أن الأمة التي انتخبته وعينته وكيلا عنها لا وكيلا عليها هي التي تراقبه وتحاسبه وإذا حاد عن الطريق الصحيح  في خدمة الأمة فإنها تعزله وتنتخب أخر مكانه كما يعلم الحاكم أن الأمة حرة وأن الأموال التي أفاء الله عليها إنما هو مال خاص بها لا يجوز له أن يتخوض فيه بحسب شهوته ورغبته . ويوزعه على أقاربه وحاشيته وبطانته  وبقية شعبه يتضورون جوعا ومسغبة . ويعلم أن الأمة ليست متاعا يباع ويشترى في سوق النخاسة العالمي فيبيعه مرة للشرق ومرة للغرب بحسب مصالحة الذاتية القاصرة ؟

إذا علم الشعب  أنه مصدر قوة وشرعية السلطة التنفيذية، أدى ذلك إلى أن يكون المواطن عزيزاً وسيداً في وطنه، لا ذليلا مستصغراً ومستخذيا خاصة حينما نستحضر أن العزة والسيادة مطلوبة بالفطرة لجميع شعوب الأرض  فضلاً عن المؤمنين منهم (إن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين  ....) نعم يشعر المواطن أنه صاحب القرار الأول والأخير وأن الحاكم ما هو إلا مجرد وكيل يستطيع المواطن عزله إذا قصر في عمله. فتنعدم مظاهر الاستجداء والوقوف على أبواب القصور للحصول على المنح السلطانية أو التكرم بالأمر بالعلاج في المستشفيات المتخصصة . يستلم المواطن مستحقاته وهو رافع رأسه باعتبارها حقا مشروعا يجب على الدولة تسليمه له لا منحة كريمة من السلطان يتفضل بها. يشعر المواطن الموظف أنه يعمل لأمته لا لحاكمه يعمل بالنظام لا بالاستثناء والتوجيهات الكريمة ينتخب نوابه ويحاسبهم فيكون هؤلاء النواب خير محاسب ومراقب لتصرفات الحاكم ولا يخشى هؤلاء النواب من الحاكم عزلهم أو عدم التجديد لهم بل يعلمون أن من انتخبهم هم الشعب  فتتجلى الصورة الجميلة لمظاهر العزة والكرامة  والسيادة  في عدة مظاهر وحقوق.


مظاهر وحقوق عزة الشعوب:
 كرم الله الإنسان فقال الله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم ..... الآية )وقال تعالى:(يا أيها الإنسان  ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك) إن جعل أمر الأمة كلها بيد شخص واحد مهما بلغ عقله وحنكته وحكمته لا يمكن أن يؤدي بها إلى الرشاد ولا أفعالها إلى السداد  ووضع مصير الأمة بيده يتصرف بها كيف يشاء فلا يستشير فيها عرفائها  ولا يسأل حكمائها وإنما إن أراد أن يستشير استشار من يريد من بطانته أو من يعجبه رأيهم بغض النظر عن مصالح الأمة  إن القول بجواز ذلك فضلا عن مشروعية يجعل مثل هذا الحاكم مهما بلغ علمه أو جهله حكمته أو حمقه  بمنزلة الإله المقدس الذي تسخر الأمة بجميع مقدراتها وقواها ومصالحها وأموالها لخدمته والقيام بمصالحة والبحث عن رضاه ولو سخطت الأمة كلها (وهذا لم يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لأحد من خلفائه . ولذلك وصل الحال ببعض من يسمون بفقهاء الأمة - وهم في حقيقة الأمر فقهاء السلطان- أن جعل كل شي من مقدرات الأمة وأموالها ملكا للحاكم وأباح له التصرف في الأموال والأعراض والحريات وإعلان بداية الحروب ونهايتها وجعل الولاء له وبه  فقالت بعض الشعوب الله والحاكم والوطن فنسيت مصالح الأمة العليا  ولا يمكن لدين سماوي حرم تسخير العبد المملوك لسيده  ونهى عنه  وسعى لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد أن يرتضي مثل هذا لمن أوجده الله وهو حر, بل حرم الله استرقاق الحر وجعله من كبائر الذنوب , فكيف يقبل من أحد مهما بلغ علمه وشأنه أن يزعم مجرد الزعم فضلا عن أن يثبت أن نظرية الحكم في الإسلام تقوم على تقديس الحاكم ووجوب طاعته في كل شي في تولي شئون المسلمين واستئثاره بأمرهم دون حاجة منه لمراجعتهم واستشارتهم ؟؟؟ بل وصل الأمر ببعض من أعمى الله بصيرته أن جعل من حق الحاكم تقييد بعض نوافل العبادات ثم زاد تقديسه حتى جعل من حقه تقييد أوقات وأماكن بعض فروض الكفاية, ثم تجاوزوا حتى جعلوا من حقه تقييد بعض الفروض العيينية وأوقات وأماكن فعلها  , فهل يتصور مثل هذا الأمر في الأديان المحرفة فضلا عن دين الإسلام الخالد الباقي حتى قيام الساعة , إذا قلنا بهذا القول الأعوج فما الفرق إذا  بين النصرانية المحرفة في عصر الكنيسة الأوربية  والإسلام الصحيح , و بين الحر والعبد في الإسلام طالما أن كل واحد منهم يستطيع شخص من البشر أن يسترقه ويسخره  لخدمة طغيانه وجبروته ؟؟؟ وما الفرق بين نظرية الحاكم في الإسلام ونظرية تقديس الحاكم في بعض الفرق الأخرى. ولذلك فإننا نقول أن هناك مظاهر واضحة وجلية لعزة الشعوب وكرامتها وخاصة الشعوب الإسلامية. من أهمها:
1- الحرية التامة لهم بشرط أن تكون هذه الحرية منضبطة بالضوابط الشرعية فلا يتعدى الإنسان على حقوق الآخرين ولا حرياتهم
2- حرمة دمه وماله وعرضه حرمة قطعية بينها النبي صلى الله علية وسلم عليها في حجة الوداع عندما قال : أن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة 
وهذا هو آخر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه رد قطعي وحجة داحضة لكل من أراد أن يجعل أموال ودماء المسلمين وأعراضهم كلأً مباحا للحكام المستبدين مستدلين بزيادة ضعيفة أدرجت بحديث صحيح ولو سلمنا بصحة هذه الزيادة فإننا نقول بأنها منسوخة بهذا الحديث القطعي الصحيح.

الفرق بين الأمة مصدر السلطات والأمة مصدر التشريع:
الفرق بين هاتين العبارتين واضح لمن كان ينشد الحق والهدى وملتبس على من باع دينه بدنياه لإسعاد سلطان أو حاكم أو إمام  وهو يتضح باختصار ببيان معنى العبارتين .
الأمة مصدر السلطة: أي أن الأمة هي مصدر السلطة على نفسها فلا يحق لأحد مهما كان أن يسلب  كرامتها أو عزتها أو سيادتها مهما كان سواء كان ذلك بالقوة أو برضي البعض  ولذلك فإن سلطتها بيدها وليست سفيهة وغير راشدة تحتاج إلى ولي أمر كما سوغ لذلك فقهاء الخنوع وعلماء الاستبداد في عصور ضعف الإسلام.
أما عبارة 
الأمة مصدر التشريع: فمعنى هذا أن الأمة هي المسئولة عن التشريعات التي تطبق عليها منذ تشريعها وحتى سريان العمل بها وبعد تنفيذها , وهذه التشريعات لو تم التسامح معها فيما يتعلق بالحقوق المدنية التي لم يرد فيها نصا شرعيا باعتبارها من المصالح المرسلة فإنه لا يمكن التسامح بها فيما ورد فيه النص الشرعي لما فيه من الإشراك بالله فمثله مثل تشريع أعمال مأمور بها أو مباحة شرعا  على أنها محرمات أو تجريم الناس على أعمال أمر الإسلام بها كمن جعل الجهاد في سبيل الله أو موالاه عبادة المؤمنين جريمة يعاقب عليها القانون فهذه العبارة غير جائزة شرعا و لا يصح من مسلم المناداة بها .ومن هنا يتضح الفرق بين العبارتين فالأولى جاء الإسلام بها أما الثانية فقد حرمها الإسلام.

الشعوب تجاوزت فتاوى المأجورين والمطبلين:
مما يتعجب منه الإنسان  أنه عندما يطلع على دساتير دول الاستبداد العربية القمعية يجدها قد ملئت بالمواد التي تضمنت حقوقاً مكتوبة للشعوب في الحريات وضمانات مسطرة  للعدالة ونصوصا ًموضحة تؤكد سيادة الأمة وديمقراطية الحكم فيها وفي ذات الوقت تجد واقع هذه الشعوب مخالفاً لما هو مكتوب فالظلم والاستبداد وقمع الحريات وانتهاك الحرمات والقتل والتعذيب للمخالفين بالرأي أو المعارضين للنظام بلا رحمة ولا هوادة،  إذا فليس المهم أن  تنص الدساتير على الحقوق والضمانات للأمة بل الأهم مما هو مكتوب في الدساتير ما يمكن أن يطبق على أرض الواقع وهو أن تمارس الأمة الحرية المضبوطة بالضوابط الشرعية وتحكم بالعدل ومن أجل ذلك وجدنا الشعوب في الدول العربية القمعية تثور على دساتيرها المسطرة بالورق المختفية في الواقع وشرعيتها المزورة والمكذوبة وأنظمتها الظالمة لأن السلطة الحقيقية هي للأمة وللشعوب وليست للأنظمة، فنظام الحكم الذي لا يستمد شرعيته من الشعب لا شرعية دستورية له.
لذلك ثارت الشعوب وجاءت في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا، لِتُلْقِمَ المتحاملين على فقهنا السياسي الذين زعموا عجزه عن مواكبة تطلعات الشعوب الحديثة حجرا كبير وتجلى ذلك  بإصرار هذه الشعوب الثائرة على الاستبداد والظلم المطالبة بالتغيير رغم كل تلك التضحيات الكبيرة التي تقدمها من أموال ودماء  وهو أكبر دليل على أنها تستحق أن تتنصر وستنتصر كما أثبتت هذه الشعوب أنها وإن صبرت على ظلم حكامها المستبدين طويلا أملا  منهم في أن يبدأ هؤلاء المستبدين بتبني نهج الإصلاح، فإنها لم تنس واجبها الشرعي المرتكز إلى حقها الدستوري الديني ، في أن تقوم سلميا في وجه ظالميها, ولذلك فإن مما يشعر المسلم الصادق بالفخر والاعتزاز ويعيد إليه شعوره بالعزة والكرامة أنه أصبح يرى  في كل يوم بل في كل ساعة من الوقائع و الأحداث ما  تثبت به هذه الشعوب العربية الإسلامية الصابرة و المصابرة أنها بأفعالها ورفضها الصريح والواضح للظلم تستحق من الجميع كل الاحترام والتقدير وهي تضرب أروع الأمثلة للعالمين في خوض معركة تقرير المصير في تحرير الإنسان من العبودية والظلم وتحرير الوطن من الاستبداد والدكتاتورية في بعض البلدان العربية .إن عزيمة وإصرار هذه الشعوب المناضلة  على معركة التغيير السلمي إلى الأفضل رغم التضحيات الجسام التي تقدمها والخسائر الكبيرة التي تتحملها ، ورغم ما تواجهه هذه الشعوب الثائرة من قتل وانتهاك  يمارسه حكام الأنظمة المستبدة  -والتي حولت الأوطان المشاعة بين المواطنين إلى  قصور وبيوت ومزارع وبساتين وممتلكات خاصة بهم -  لهو دليل قاطع على أن هذه الشعوب بموجب ما قدمت وضحت وبذلت  بذلها  تستحق النصر وهذا ما نسال الله تعالى أن يحققه لها  وعند ذلك يفرح المؤمنون الصابرون المصابرون في رفض الظلم والاستبداد والاستعباد بنصر الله وتمكينه لهم على حكامهم المستبدين الظالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق